فصل: فصل الفم واللسان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تشريح القانون (نسخة منقحة)



.فصل تشريح الأذن:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
اعلم أن الأذن عضو خلق.
إلى آخر الفصل.
الشرح:
كل حيوان يلد فله أذن بارزة ولا كذلك الحيوان الذي يبيض وذلك لأن آلة السمع تحتاج إلى صلابة ولذلك جعل عصبها من الزوج الخامس وجعل منفذها من العظم الحجري كل ذلك لتكون هذه الآلة صلبة وذلك لأن هذه الصلابة تعين على الصوت بقرع الهواء الحامل للصوت لها ولذلك فإن ما كان من الحيوان كثير الرطوبة حتى لا تكون هذه الآلة فيه شديدة الصلابة فإن ما كان سمعه لا يخلو من ضعف ولذلك خلق الإنسان يستعين على جودة سمعه بالأذن البارزة فإن هذه تعين على السمع بجمعها للهواء وكذلك الحيوان الكثير اليبوسة فإن سمعه لقوته يستغني عن تقوية هذه الآلة للسمع فلذلك كل حيوان يلد وله أذن بارزة لأن الحيوان إنما يلد إذا كان كثير الرطوبة حتى يمكنه أن يمد الجنين بالغذاء من رطوبة بدنه إلى أن يعظم وكل حيوان يبيض فإن لا أذن له بارزة.
فإن الحيوان إنما يبيض إذا كان بدنه قليل الرطوبة جدًّا حتى لا يكون فيه من الرطوبة ما يمد الجنين بالغذاء مدة تكونه.
وليس لقائل أن يقول: لو كان الأمر كذلك لكان السمك أولى بأن تكون له أذن بارزة وبأن يلد لأن رطوبات السمك كثيرة إلا أن نقول إن السمك لا شك أن رطوبة أعضائه كثيرة ولكن ليس في بدنه رطوبات تفضل لغذاء الجنين ولذلك فإن دمه قليل جدًّا وسبب ذلك أن جميع ما يرد إليه من الرطوبات فإنه ينصرف إلى تغذية أعضائه فلا تبقى في بدنه رطوبة تستحق أن يندفع عنه إلى غذاء غيره أو إلى غير ذلك بخلاف الماشية ونحوها.
وكل حيوان له أذن بارزة فإنه يحركها ليتوصل بذلك إلى جميع الهواء الحامل للصوت إلى جميع الجهات اللهم إلا كثيرًا من أشخاص الإنسان فإنهم لا يحركون آذانهم.
وسبب ذلك أن الإنسان يسهل عليه توجيه ثقب أذنه إلى جميع الجهات لأجل سهولة حركة رأسه لذلك ولا كذلك غيره من الماشية ونحوها وكذلك كل حيوان له أذن بارزة غير الإنسان فإن أذنيه تكونان فوق رأسه وذلك لأجل طأطأة رأسه خاصة عند المرعى ونحو ذلك بخلاف الإنسان فإن أذنيه في وسط جانبي رأسه وذلك لأن الإنسان يسهل عليه تحريك رأسه إلى جميع الجهات.
وقوله: وجعل له صدف معوج ليحبس جميع الصوت أما فائدة صدفة الأذن فليكون له آلة لجمع الصوت كما في رأسي الباذهنج.
وأما فائدة تعويجه وتعريجة فليكون ما يقع في داخل هذه الصدفة ممنوعًا فيها من التعريج عند دخول ذلك الشيء في ثقب الأذن.
وذلك لأجل احتباسه في ذلك التعريج.
قوله: وهذه العصبة في أحوال السمع كالجليدية في أحوال الإبصار هذا بناء على قولهم إن وقوع أشباح المرئيات هو على سطح الجليدية ونحن قد أبطلناه. وألفاظ باقي الفصل ظاهرة. والله ولي التوفيق.

.فصل تشريح الأنف:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
تشريح الأنف يشتمل.
إلى آخر الفصل.
الشرح:
الأنف مخلوق لكل حيوان يتنفس الهواء وذلك كل حيوان له رئة ويختص الإنسان بأن أنفه بارز من بين عينيه ليكون وقاية لهما مما يرد إلى العين من جهة الأنف ومنقار الطير يقوم له مقام الأنف.
وأما الفيل فلما كان حيوانًا عظيم الجثة جدًّا وكان ارتفاعه كثيرًا لم يكن أن يكون له عنق إذ لو كان له عنق لاحتاج أن يكون طويلا جدًّا ليصل رأسه إلى الأرض لأجل الرعي ونحوه.
ولو كان كذلك لم يتمكن من حمل رأسه فلذلك جعل عديم العنق فلذلك تعذر تصويته من فمه وتعذر أكله بدون شيء ممتد يصل إلى الأرض ليأخذ به الغذاء من العشب وذلك الممتد يمكن أن يكون آلة يتنفس بها فلذلك خلق الخرطوم وذلك الخرطوم هو له أنف ومع ذلك فقد جعل آلة يتناول بها ما يتناوله بنفسه أو بشأن وجعل طرفها صلبًا ليتمكن به من قطع العشب وغيره فلذلك أنف الفيل يقوم له مقام اليد ومأخذه خرطومه يوصله إلى فمه وهو في أعلى فمه ومن خصائص الإنسان أنه أضعف الحيوان شمًا فلذلك هو محتال على إدراك الرائحة بالتبخر والتسخين بسبب الحك ونحوه والأنف يبتدئ من أسفل واسعًا ثم يتضايق إلى فوق أما سعته من أسفل فليأخذ هواءً كثيرًا وأما ضيقه في أعلاه فليمكن ما يصحب الهواء المستنشق من النسيم ونحوه من النفوذ إلى داخل وإنما ابتدأ من أسفل إلى فوق ولم يحصل أو له فوق بحذاء آلة الشم وذلك ليكون الهواء المجذوب إلى الرئة صعود ونزول معين على انجذابه وكذلك لاستحالة الخلاء وهذا كما في الأنابيب التي تعمل لانجذاب الماء فيها لأجل استحالة الخلاء وعند أعلى الأنف منفذان دقيقان جدًّا ينفذان إلى داخل العينين بحذاء الموق الأعظم وفيهما تنفذ الروائح الحادة وغيرها إلى داخل العينين ولذلك تتضرر العينان برائحة الصنان القوي ولذلك أيضا تدمع عند شم مثل البصل ومن هذين المنفذين تندفع الفضول الغليظة التي في داخل العينين وهي التي تغلظ عند الاندفاع بالدموع.
وإذا حدث لهذين المنفذين انسداد كما عند الغرب كثرت الفضول في العينين ولذلك تكثر أمراضها حينئذٍ وإذا انتهى الأنف إلى أعلاه انقسم المجرى هناك إلى ثلاثة أقسام: قسم واحد غليظ متسع ينحدر مؤربًا إلى آخر فضاء الفم وفيه ينفذ الهواء إلى الحنجرة وقصبة الرئة ثم إلى الرئة وقسمان دقيقان يصعد منهما الهواء إلى عظام المصفاة المثقبة ومن هناك إلى داخل الأم الجافية في ثقوب الأم الجافية محاذية لثقوب تلك العظام ومن هناك تنفذ إلى الزائدتين الشبيهتين بحلمة الثدي اللتين في مقدم الدماغ وفي كل واحدة من تلك الزائدتين ثقب دقيق جدًّا يفضي إلى داخل الدماغ فلذلك فإن الروائح لها تأثير قوي في الدماغ وذلك لأجل نفوذها صحبة الهواء المستنشق في هذين الثقبين إلى داخل الدماغ.
ومما يدل على أن إدراك الرائحة هو بهاتين الزائدتين أن الهواء المخالط للرائحة وإن كثرت تلك الرائحة وقويت فإن تلك الرائحة إنما تدرك إذا استنشق ذلك الهواء حتى بلغ هناك ولو كان إدراك الرائحة هو بالمنخرين لكنا ندرك تلك الرائحة بدون الاستنشاق وذلك إذا امتلأ المنخران من الهواء الحامل لتلك الرائحة ومن ذينك الثقبين تندفع الفضول من البطن المقدم من الدماغ إلى حيث ينتهي إلى الأنف في التصعيد فينزل بعضها في مجرى الحنك إلى فضاء الفم وبعضها يخرج من الأنف وباقي ألفاظ هذا الفصل ظاهرة المعنى. والله ولي التوفيق.

.فصل الفم واللسان:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
والفم عضو ضروري.
إلى قوله: يتوزع منهما العروق والكثير يسميان الصردين.
الشرح:
كل حيوان يتنفس بالاستنشاق للهواء فإنه إنما يتنفس من أنفه فقط إلا الإنسان فإنه يتنفس من أنفه ومن فمه.
وسبب ذلك أن الإنسان يحتاج كما بيناه أو لًا إلى الكلام وهو إنما يتم بتقطيع حروف يحتاج فيها إلى خروج هواء بعضه من الأنف وبعضه من الفم وإنما يتم ذلك إذا كان دخول الهواء هو أيضًا من هذين العضوين فلذلك يمكن للإنسان من التنفس وهو مطبوق الفم.
ويتمكن أيضًا من الكلام وهو مطبوق الأنف.
ولا كذلك غيره من الحيوانات المتنفسة وقد فتح بيطار فم فرس بآلة سدت منخريه فمات في الوقت.
وقد بينا فيما سلف السبب في أن الحيوان يكتفي بفم واحد يدخل فيه الغذاء ولا كذلك النبات فإنه يحتاج إلى أفواه كثيرة جدًّا وهي أطراف أصوله لأنه يأخذ الغذاء بالإرادة وينقله إلى فمه فلذلك يكتفي بواحد ولا كذلك النبات فإنه يأخذ الغذاء بالطبع وبالجذب الطبيعي فيحتاج إلى أفواه كثيرة حتى إذا تعذر الجذب ببعضها لأجل عوز المادة ونحو ذلك يمكن من ذلك الجذب بالباقي وما كان من الحيوان أن يمضغ المأكول قبل بلعه فإنه لا يحتاج إلى سعة كبيرة في فمه وفي مجرى الغذاء منه إلى داخله ولا كذلك ما يبلع المأكول بدون تصغير الإنسان وحده غير محتاج إلى قوة حركة فكه للعض ونحوه بخلاف باقي الحيوان فإن منها ما يحتاج إلى ذلك ليكون فمه كالسلاح له ومنها ما يحتاج إلى ذلك ليكون قبضه على الصيد ونحوه قويًّا ومنها ما يحتاج إلى ذلك لأجل حاجته إلى تكسير مأكوله بفمه ونحو ذلك وأما الإنسان فإنه لما كان يتخذ الغذاء بالصناعة ليستغني عن ذلك كله فلذلك فكه المتحرك أخف وأضعف حركة من غيره. وجميع الحيوان يحرك فكه الأسفل إلا التمساح فإنه يحرك فكه الأعلى.
وقد بينا السبب في ذلك كله عند كلامنا في تشريح العظام وجميع آلات الحواس فإن كل آلة منها تزيد على واحدة وكذلك اللسان أيضًا ولكن اللسان اختص بأن فرديه ملتصق أحدهما بالآخر ولا كذلك لسان بعض الحيات فإنه مقسوم فيها باثنين وإنما اختص اللسان بالتصاق أحد فرديه بالآخر لأنه لو بقي على حاله مقسومًا بإثنين كما في تلك الحيات لزم ذلك عسر المضغ.
وكان الكلام يختل في الإنسان فلذلك لصق فرداه وجعل لسانًا واحدًا وألسنة الأجنة بيض الألوان لأن لحم اللسان كذلك وإنما يحمر اللسان بعد الولادة وذلك لما يلزمه من الدم في العروق المنبثة فيه. وألفاظ الكتاب ظاهرة. والله ولي التوفيق.

.فصل تشريح أعضاء الحلق:

قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه:
نعني بالحلق الفضاء الذي فيه مجرى النفس.
إلى قوله: وأما القصبة والمريء فنذكر تشريحها من بعد.
الشرح:
الحلق كما قاله هو الفضاء الذي فيه مجرى النفس والغذاء وفيه اللهاة واللوزتان والغلصمة وأما الفم فهو مقدم الحلق وأسفله فلذلك يعد اللسان من أجزاء الفم الأعلى لا من أجزاء الحلق وأعني الحنك وهو سقف الحلق واللهاة عضو مستطيل أعلاه متصل بسقف الحلق وأسفله يحاذي الحنجرة وفي طرفه الأسفل جرم مستدير كالكرة وجوهرة جوهر لحمي عصبي والمنافع المشهورة له ثلاث وقد ذكرها الشيخ.
وأما اللوزتان فهما النغانغ وتسمى أصول الأذنين ويقال لهما في العرف العام نبات الأذنين وهما عضلتان في جانبي الحلق.
وقد عرفناهما وعرفنا منافعهما وذلك عند كلامنا في العضل فليرجع ولقائل أن يقول: كيف يجوز أن يعد هذان العضوان من العضل وليس شيء منهما يحرك البتة عضوًا من الأعضاء وجوابه: أنه ليس من شرط العضل أن يكون محركًا لعضو ما بل أن يكون من شأنه تحريك شيء ما وإن لم يكن ذلك الشيء عضوًا وهاتان العضلتان تعينان على تحريك الممضوغ وتبليغه إلى فم المريء وذلك أنهما يتشبثان بالأغذية ويدفعانها إلى ذلك الموضع ولذلك إذا عرض لهاتين العضلتين آفة تضعف فعلهما يعسر حينئذٍ نفوذ الأغذية إلى المريء وذلك كما إذا أصابها يبوسة شديدة ونحوها.
فإن قيل: إن هذا يتم ولو كان جوهرها من لحم وعصب فقط ولا يلزم أن يكونا عضلتين فإن العضل لا بد في تحقيقه من عصب ورباط. ولحم جاسي لما يثير ذلك من خلل.
قلنا: مسلم أن هذا الفعل يتم وإن لم يكن في جوهر هذين رباط ولكن ذلك الفعل يكون ضعيفًا فإن العصب إنما يقوى فعله في التحريك إذا كان معه أجزاء رباطية فلذلك هذان العضوان إنما يشتد فعلهما ويقوى إذا كانا عضلتين ومن منافعهما أيضًا أنهما يكملان تكون الصوت ويقويانه وذلك لأنهما يضيقان ما يحاذي فم الحنجرة فإذا خرج الهواء من الحنجرة خرج من متسع إلى موضع ضيق ثم بعد ذلك الموضع إلى فضاء الحلق ولذلك يشتد الصوت ويقوى ولذلك فإنما يعرض لهاتين العضلتين من الآفات يلزمها تغير في الصوت وتعسر في بلع الأغذية.
والله ولي التوفيق.